بقلم : أمينة شفيق

للقرية المصرية مشاكلها العديدة‏,‏ فالـ‏4640‏ قرية مصرية بنجوعها وكفورها وعزبها الــ‏26757‏ تضم نصف سكان مصر‏,‏ وهو مسار طبيعي أشارت اليه منظمة الأمم المتحدة عندما أصدرت تقريرا مع بداية عام‏2006‏ تشير فيه الي أنه في عام‏2007‏ سيضم الحضر في كل بلدان العالم نصف السكان بينما سيعيش النصف الآخر في الريف‏,‏ يحدث هذا التحول لأول مرة عالميا‏..‏ والسبب الرئيسي هو التوزيع غير العادل للمشاريع الاستثمارية والتنموية بما تولده من فرص عمل بين المناطق الجغرافية المختلفة كل بلد‏,‏ مما يدفع بالبشر الي النزوح من الريف الي الحضر بحثا عن الرزق في الصين وحدها نزح مائة مليون فلاح من الريف الي الأحزمة المحيط بالمناطق الصناعية الجديدة علي المحيط الهادي‏,‏ حقيقة لابد ان يواجهها ويعالجها أي مخطط يسعي الي اعادة التوازن السكاني بشكل متوافق بين الريف والحضر أو بين الشمال والجنوب أو بين الشرق والغرب‏.‏

للقرية المصرية مشاكلها مع الفقر ومع تراجع فرص العمل ومع نموها السكاني غير المتناسب مع حيازتها الزراعية ومع تراجع بعض الخدمات المهمة فيها ولا أقول كل الخدمات‏,‏ مثلا حصل غالبية الريفيين علي مياه الشرب النقية ولكنها تصل متقطعة وضعيفة وبجودة اقل ولكن المهم أنهم لم يحصلوا علي شبكة الصرف الصحي التي تعالج ناتج استخدامهم للمياه وبالتالي تحمي الارض من ارتفاع منسوب المياه فيها‏,‏ هذا مثال‏..‏ ويمكن استنتاج تأثير ارتفاع هذا المنسوب ليس فقط علي الزراعة وانما علي نوع الحياة الريفية‏,‏ لذا بات مشروع تعميم الصرف الصحي علي كل مناطق الريف المصري ضرورة بالرغم من احتياجه الي‏60‏ مليون جنيه لاتمامه‏.‏

كما أننا نجد الهياكل التعليمية باعداد تتناسب مع تعداد الكثير من القري‏..‏ المدارس الابتدائية والاعدادية وربما الثانوية‏..‏ ولكن تتوقف الاستفادة من العملية التعليمية علي مجموعة من العوامل‏,‏ أهمها هو هل القائمون علي العملية التعليمية من أهل البلد أومن خارجها؟ إذا كانوا من أهل البلد سنضمن تعليما‏(‏ معقولا لانها ستصبح فضيحة في البلد اذا أهمل المعلمون تعليم اقاربهم سعيا للدروس الخصوصية‏),‏ أما اذا كانوا من خارجها فسنتأكد من وجود التسرب وغيره من أمراض العملية التعليمية في مصر‏..‏ والمفارقة اننا نجد أفضل تعليم حكومي في المحافظات الحدودية النائية كمحافظة الوادي الجديد‏..‏ هناك يوجد عامل آخر يساعد علي تحسن العملية التعليمية‏,‏ فبسبب تباعد القري أقامت الدولة مدرسة ابتدائية علي الأقل في كل منها ولكن مع قلة عدد السكان كانت النتيجة ان عملت الفصول بكثافة طلابية تكاد تجعل من الفصل درسا خصوصيا ولذلك لم يكن غريبا ان تكون هذه المحافظة تحديدا أول محافظة مصرية تمحي فيها الأمية‏,‏ لا يوجد فيها أميون إلا في حدود هؤلاء الأميين الذين يتحركون من محافظات سوهاج أو اسيوط أو المنيا للعمل فيها وسريعا ما تضمهم فصول محو الامية‏.‏

ولكن تستمر أكبر مشاكل القرية المصرية مع مساحة الارض الزراعية المشكلة لحيازتها والمتاحة بحيز لا يساعد علي تعاظم فرص العمل علي الارض ثم يكاد لا يفي بالاحتياجات الحياتية لسكانها‏,‏ قد يتم تعويض ذلك بما يسمي التوسع الزراعي الرأسي‏,‏ أي تطوير الانتاج وزيادته من خلال ادخال السلالات الجديدة والنوعيات الاكثر انتاجا والعناية بالارض وتطوير فنون العمل الزراعي ذاته‏,‏ هذا صحيح ولكن يستمر للتوسع الرأسي حدوده الانتاجية ثم تأتي مشاكل القرية مع مواقعها الجغرافية‏.‏

فالنمو السكاني للقرية المصرية لم يصاحبه ثبات في حيازتها الزراعية وانما صاحبه تآكل في أرضها الخضراء‏,‏ خاصة بالنسبة لتلك القري الواقعة في قلب الدلتا وفي المحافظات التي لا تملك ظهيرا صحراويا يساعدها علي التوسع الافقي دون المساس بالارض الزراعية‏,‏ يقول بعض الخبراء ان التوسع العمراني يأكل سنويا ما يساوي‏40‏ ألف فدان من الارض الزراعية السوداء الطيبة التي تكونت علي مدي آلاف السنين من تاريخ مصر بما يعني أن كل‏13‏ عاما تفقد مصر أكثر من نصف مليون فدان ويمكن لأي مراقب ملاحظة هذه الكارثة في حالة توجهه من القاهرة الي مدينة القناطر الخيرية علي سبيل المثال‏,‏ فقد هذا الطريق كل خضرته وارتفعت بدلا منها أبنية أقرب للعشوائيات ولم يعد ذلك الطريق الزراعي الذي كان مليئا بالمحاصيل الحقلية أو الخضراوات وحدائق الفاكهة‏,‏ في النهاية لابد من الاعتراف بانخفاض نصيب الانسان المصري من الارض الزراعية السوداء القديمة‏.‏ نجد هذا الواقع في بعض القري المصرية‏,‏ ان لم يكن في غالبيتها‏,‏ قرية قلوصنا ـ مركز سمالوط محافظة المنيا ـ في عام‏2004‏ كان عدد سكانها‏18787‏ نسمة يعيشون علي اجمالي مساحة‏3589.2‏ فدان يأكل العمران منها مساحة‏507‏ أفدنة تاركًا مساحة‏3044‏ للزراعة بما يعني أن نصيب الفرد من الأرض الزراعية لا يتجاوز خمس الفدان قرية أخري من كفر الشيخ‏,‏ قرية دقميرة‏,‏ التي يبلغ عدد سكانها‏16202‏ نسمة يعيشون علي زراعة‏4107‏ أفدنة يبلغ نصيب الفرد من زمامها الزراعي ربع فدان ثم تأتي قرية نيدة مركز اخميم محافظة سوهاج التي يرتفع عدد سكانها‏24‏ ألف نسمة بينما لا تزيد حيازتها الزراعية علي‏1600‏ فدان‏,‏ في محافظة قنا‏,‏ حيث قرية المريس‏,‏ التي يعيش فيها‏21426‏ نسمة يزرعون مساحة لا تزيد علي‏3500‏ فدان وفي محافظة اسوان مركز مدينة اسوان تقع قرية غرب اسوان التي تصل تعدادها الي‏12097‏ نسمة يزرعون‏1221‏ فدانا تقع القري الخمس في الوادي وتروي ارضها السوداء الطيبة من النيل مباشرة أو من فروعه‏.‏

ولكن علي جانب آخرنجد قري في محافظات حدودية تعتمد علي مياه الأمطار أو الأبار في زراعتها ولكنها تحمل ذات السمات‏,‏ عدد كبير من الكان يعمل علي مساحة صغيرة من الارض بالرغم من ان توسعها العمراني اتجه الي ظهيرها الصحراوي‏.‏

ممنها قرية المطلة مركز رفح محافظة شمال سيناء‏,‏ يعيش في المطلة‏4678‏ نسمة ويزرعون‏3400‏ فدان ثم تأتي قرية أخري مشابهة من الوادي الجديد وهي قرية الراشدة مركز الداخلة التي يقطنها‏5448‏ نسمة وتزرع‏3028‏ فدانا من مياه الآبار ثم قرية رأس الحكمة محافظة مطروح يبلغ تعدادها‏7100‏ نسمة بينما لا تزيد مساحتها المنزرعة علي‏4980‏ فدانا تنتج اللوز والزيتون والتين والعنب وتروي من الامطار وبعض الآبار مع ملاحظة أن هذه القري الثلاث الصحراوية تزرع أرضا مستصلحة حديثا ولم تعرف طمي النهر الذي أمد الارض السوداء بالغذاء لقرون زمنية وبالتالي فوصولها الي الحدية الانتاجية تحتاج لعقود وعقود زمنية‏.‏

في كل الحالات نلاحظ نموا سكانيا متزايدا مع ضيق المساحة الزراعية التي هي أساس المصدر لدخل القرية مهما نمت الانشطة المرتبطة بالزراعة والمعتمدة عليها كتربية الاغنام أو المواشي أو الدواجن لأن الارض وانتاجها المحصولي هما الأساس في توفير أساسيات الغذاء والاحتياجات الأخري للجميع بشرا وغير البشر‏.‏

في مجموعة القري الدلتاوية والصعيدية التي زرتها وجدت الوعي الجماعي بهذه الكارثة كارثة انكماش مساحات الارض السوداء الطيبة‏.‏

شارك المقالة